*
*
*
*
*
*
دمعة حارقة وابتسامة باقية ... برقية عاجلة : محمود درويش
"في حضرة الغائب" يا صوت فلسطين الباق، أيها العربي المناضل بسيف الكلمة وسوط المعان،يا صاحب الوطن الذي ما نكسر قلمه رغم أعاصير الأفكار وأمواج الأحزان، أحيا في قلوبنا من جديد للأبد، فأنت اكبر منا، لم تتنازل عن مبدأ ولم تفرط بوطن، ستبقى رغم الأنوف ، صوتاً لنا في المحن، نغنيك عوداً، نكتشفك كل يوم وكأنها المرة الأولى التي تخط بها سيمفونيات الشعر . يا أولى الأشجار التي ازهرت لوزا في حدائق الحياة ، ورفض ت الموت الا واقفاً كما قلت ، فمنك تعلمنا كيف نحب الوطن من خلال كلمة تمر علينا كل يوم الف مرة، لكنها كانت بين شفاهك ذات طعم.
الموت يا درويش للجسد ، تبقى الروح تحوم في كافة الارجاء دون حد ، فجميع الأرض وطنها وحنينها للقدس متدفق لا ينضب لا يكل او يصاب بيأس او ملل. ستبقى شجرة عمرها الف عام خلدت بها تاريخ فلسطين شعراً ،نثراً، ومقاومة لم تنهزم .فأنت وطناً تجسد في روحك وانساب بين أقلامك، يا ترى كم قلم نضب بين يديك دون ان تصل الى فكرة تحرير الوطن التي اخترعتها كم قلم.
قل لنا نحن الذين اكتشفناك كما اكتشفنا فلسطين ،غزة،نابلس،جنين،بعد الكهولة قل لنا إيها الصوت اليعربي العالي أكثر من همم الساسة ودولنا العربية على امتدادها والقمم،كيف حولت فلسطين الى امرأة ، أحن الى خبزها لأنها أمي .....كيف رفضت ان تصل الأستار ... ورفضت الاعتذار عما فعلت، وكيف فعلت عصافيرك التي مازالت الى الان بلا أجنحة تطير تبحث عن وطنها المحتل،كيف تحولت الى نبضة في شرايين الشعب الصامد في فلسطين، وأسطورة تسكن فينا حيناً وتتناقض معنا حينا ونتحد حيناً ونعاود الحنين اليك أحياناً.
لم تكن من يتاجرون ببيع التراب فالأرض كلها أرضك انطلاقاً من قلبك النابض ، والأديان كلها دينك بدا بالإيمان، والشعوب جميعها اهلك لا فرق بينهم، ومع اختلاف مخارجهم، جاء عالمك الزاخر بألوانه الممتدة وظلاله وأمواجه وبحارة كأضواء القدس وصفاء نفوس الشهداء.
هي الدنيا بكل ما فيها بحلوها ومرها لخصتها لنا منذ بدياتك التي اكتشفناها بأصوات الحجارة وعلو الشهداء، "يوميات جرح فلسطيني" لم تنتهي ماساتها في قلوبنا ودماء الشهداء لم تزل تفور بركاناً يقدم كل يوماً مزيدا.شواهد كثيرة زرعتها كما الأقصى كما الأشجار كما المهد وجبل النار وغزة وعكا ويافا وحيفا فلم تنسها ابداً منذ الصباح حتى" آخر الليل" .
شواهد ،معالم، اطلال كثيرة تناجيك كل يوم، فحواري القدس تذكرك باكياً، صرخة الثائر فيك، عكا تنتظرك ايها الفارس الجليل لتأتيها وتأخذها بين يديك ضاماً لها بعد شوق وحنين ، تقبل أرضها وتروي بالدموع ترابها، هي تنتظر عودتك فلا تخلف معها موعداً يا صاحب "البندقية" لتأتيها دون"بطاقة هوية" فقط عد إدراجك لها ، وجه مجاذيف أقلامك نحوها لا تخذلها يا درويش .... لا ... فقد اشتاقك اليك ونحن ، لا نخفيك سرا لقد اشتقنا لك .........
القدس ،معزية بولادتك من جديد منذ يوم رحيلك ، تلبس ثوبها لشهيد القلم وصوتها المدوي كمدافع الأعداء في الأمم ، ماذا فعلنا بك نحن ، هل يا ترى يعلم بك صلاح الدين ، ام سمع بك قطز، لما جهلناك بالأمس واكتشفنا حبك اليوم!
أسف جداً ....وأتقدم بعذر ...لا نملك سواها....ماذا نفعل دونك ...كيف تجيء الأرض لنا بزيتونة مثلك .... ما طعم الثورة بعدك.... وهل هناك رائحة للاستشهاد ....هل للقهوة بعد اغانيك من طعم .... هل يستمر مارسيل يبحث بمعيتك عن وطن الشهداء...وماجدة تسألك الانتظار في بيروت .كيف تذكرت فلسطين.... بيروت الجميلة وجنوبها المنتصر .... عمان وبغداد والقاهرة وكافة الوطن ،ماذا نكتب بعد الان على الجدران.... يا ايها الدرويش الذي عاش محباً وعاود الى الحياة محبا.
لك حياة خاصة جذورها فينا في اعمق اعماقنا، تحفظ لك لكل ما سطرت كل ما تفوهت به اقلامك ... ورائحة الحبر المعتق القادم من ازمان العز العربي في الشرق .... انت فينا كنت اليوم .... وستبقى فينا للأبد .... امرؤ قيس.... متنبي .... ابو تمام... شاعر الانتفاضة الذي استشهد مقاوماً رغم كل شيء .... عاش للوطن درويشاً محموداً ومات من اجله درويشاً محموداً.هذه هي الحياة ...إسرارها بين أيادينا .... نكتشفها بعد فوات الأوان ....ونندم على تفويتها في لحظات .... كم سنشتاق لك .... كم .فأحلامك التي زرعت بنا واقعاً ....باقية لتنبت أشجاراً ... ومشاريع شهداء يسيرون على الأرض .... لنحرر الأرض وستفرح روحك في أعالي السماء ان شاء الله ،وان طال الزمن ، فأنت يا درويش الغائب روحاني، نستمد منك أمل الحياة، مبادئ القيم الأخلاق ،قاموس شعرك النادر ...وعبق فلسطين وشذاها المنتشر.ماذا اقول فيه ... وهو الذي احتوى الجميع ... وضم الجميع .... لغة ... وطناً..... شعباً....للأبد.
إلى جنات الخلد ايها الفارس الخالد ..... انتظر قدومنا يوماً اليك ...نهديك مفاتيح القدس وبيتك في عكا.... إلى جنات الخلد ايها الفارس المجاهد العربي ..... ولا تنسى أقلامك وأوراقك..... كن كما أردت ولا تعتذر .... كن كما أردت ولا تعتذر....
الرئيسية 
